من ألطف ما قيل فى قوله تعالى : " وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى
--------------------------------------------------------------------------------
من أنفس وألطف ما قيل فى قوله تعالى : " وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى"
قال الإمام الفخر عليه سحائب الرحمة والرضوان من الرحيم الرحمن
أما قوله تعالى : {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} ففيه قولان أحدهما : أن المراد : وتزودوا من التقوى ، والدليل عليه قوله بعد ذلك : {فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} وتحقيق الكلام فيه أن الإنسان له سفران : سفر في الدنيا وسفر من الدنيا ، فالسفر في الدنيا لا بد له من زاد ، وهو الطعام والشراب والمركب والمال ، والسفر من الدنيا لا بد فيه أيضاً من زاد ، وهو معرفة الله ومحبته والإعراض عما سواه ، وهذا الزاد خير من الزاد الأول لوجوه
الأول : أن زاد الدنيا يخلصك من عذاب موهوم وزاد الآخرة يخلصك من عذاب متيقن
وثانيها : أن زاد الدنيا يخلصك من عذاب منقطع ، وزاد الآخرة يخلصك من عذاب دائم
وثالثها : أن زاد الدنيا يوصلك إلى لذة ممزوجة بالآلام والأسقام والبليات ، وزاد الآخرة يوصلك إلى لذات باقية خالصة عن شوائب المضرة ، آمنة من الانقطاع والزوال
ورابعها : أن زاد الدنيا وهي كل ساعة في الإدبار والانقضاء ، وزاد الآخرة يوصلك إلى الآخرة ، وهي كل ساعة في الإقبال والقرب والوصول
وخامسها : أن زاد الدنيا يوصلك إلى منصة الشهوة والنفس ، وزاد الآخرة يوصلك إلى عتبة الجلال والقدس ، فثبت بمجموع ما ذكرنا أن خير الزاد التقوى .
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تفسير الآية ، فكأنه تعالى قال : لما ثبت أن خير الزاد التقوى فاشتغلوا بتقواي يا أولي الألباب ، يعني إن كنتم من أرباب الألباب الذين يعلمون حقائق الأمور وجب عليكم بحكم عقلكم ولبكم أن تشتغلوا بتحصيل هذا الزاد لما فيه كثرة المنافع ، وقال الأعشى في تقرير هذا المعنى :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى . . .... ولا قيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله . . ......وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
والقول الثاني : أن هذه الآية نزلت في أناس من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد ويقولون : إنا متوكلون ، ثم كانوا يسألون الناس وربما ظلموا الناس وغصبوهم ، فأمرهم الله تعالى أن يتزودوا فقال : وتزودوا ما تبلغون به فإن خير الزاد ما تكفون به وجوهكم عن السؤال وأنفسكم عن الظلم وعن ابن زيد : أن قبائل من العرب كانوا يحرمون الزاد في الحج والعمرة فنزلت .
وروى محمد ابن جرير الطبري عن ابن عمر قال : كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها فنهوا عن ذلك بهذه الآية قال القاضي : وهذا بعيد لأن قوله : {فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} راجع إلى قوله : {وَتَزَوَّدُواْ} فكان تقديره : وتزودوا من التقوى والتقوى في عرف الشرع والقرآن عبارة عن فعل الواجبات وترك المحظورات قال : فإن أردنا تصحيح هذا القول ففيه وجهان أحدهما : أن القادر على أن يستصحب الزاد في السفر إذا لم يستصحبه عصى الله في ذلك ، فعلى هذا الطريق صح دخوله تحت الآية والثاني : أن يكون في الكلام حذف ويكون المراد : وتزودوا لعاجل سفركم وللآجل فإن خير الزاد التقوى.
أ هـ {مفاتيح الغيب حـ 5 صـ 143 ـ 144}
قال التسترى :
قوله : {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} [ 197 ] قال : هو الرفيق إلى ذكر الله تعالى خوفاً ، إذ لا زاد للمحب سوى محبوبه ، وللعارف سوى معروفه. .
أ هـ {تفسير التسترى ـ صـ 42}
رب أبنى لى عندك بيت فى الجنة
اللهم انى أسألك الجنة ومرافقة الحبيب صلى الله عليه وسلم
اللهم أرحم أمواتنا وأموات المسلمين
اللهم أشفى مرضانا ومرضى المسلمين