السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للشيخ العالم الزاهد (زاهد جزيرة العرب)
عبد الكريم بن صالح آلحميد
حفظه الله وفرج عنه
الحمد لله ربِّ العالمين ، وصَلَّى الله وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصَحْبِهِ أجمعين .. أمَّا بَعد :
فَقَدْ عَلِمْتُ أنه كَثُر في وقتنا اقتناءُ بعضِ أصنافِ الطيور ، خاصة ذوات الألوانِ الزاهية والأصواتِ الحسَنَةِ حتى إنه صَارَ لَها مَواضع خاصة يُتَاجر بِهَا ، وأنها تُسْتجلب مِنْ بُلدانٍ بعيدةٍ لغرض إمتاعِ النَّظَرِ والسَّمْعِ ، فتُحْبَسُ في أقفاصٍ في البيوتِ ومَحَلاَّتِ البيع ، وكأنَّهَا جَمَادَاتٌ لا إحساس لَهَا ولا شُعور ! .
وكَعَادَةِ بعضِ أهلِ وَقْتِنَا إذا أرادوُا فِعْلَ شَيْء مِمَّا أُحْدِثَ ولَمْ يَكُن له مثيلٌ سابق فإنهم يَسْتفتون ، وليس الشأنُ أنْ يَسْتفْتُوا فيُفْتوُا لِأَنَّ هذا كثُر جِداً وكثر أهله لإضْفاءِ الشَّرعية على كلِّ شيءٍ ، وإنما الشأن هل هذه الفتوى حقٌّ أمْ لاَ ؟! .
فالذين يُفْتون ويُسَوِّغون حبسَ الطيور ونحوها يَسْتدلون بأدلةٍ يغصبونها لِمُجَارَاتِ مَا أُحْدِثَ في وقتنا مثل استدلالهم بِحَدِيثِ المرأةِ التي حَبَسَتْ هِرَّة ([1]) ، وأنَّ العِلَّة أنَّ المرأةَ لَمْ تُطْعِم الْهِرَّةَ ولم تَسْقِها ، وهو واللهِ مُخِيفٌ وكافٍ في الرَّدع والزجر عن ظُلْمِ هذه الْمَخلُوقَات .
والذي في هذا الحديث الشريفِ خَبَرٌ من النبي r بِحَادثةٍ حَاصِلَةٍ ، وفي ضِمْنهِ التحذير أنْ يفعل أحدٌ مثل هَذا الفِعْل .
وإنه لتحذيرٌ هَائلٌ عظيمٌ ! ، فهذه المرأة - التي حبَسَت الْهِرَّة - مُسْلمة ، وإنَّمَا صَارَ سببُ دخُولِهَا النار هَذا الأمْرُ ([1]) ! ، ومَنْ ذا يُطيق عذابَ النَّار ؟! .
والعجَبُ أنْ يُسْتَدل بذلك على تسويغِ وتهوينِ حبس الطيور في الأقفاصِ الذي كَثُر وانتَشَر ! .
وأكثرُ مَا يَفعله الْمُتْرَفُونَ الذين لَمْ يَذكرهم الله U في كتابه الكريم إلاَّ بالذَّمِّ ويُحَذِّر الناسَ أنْ يَسْلكوا مسالِكَهُم .
ولَيس في هذا الحديثِ مُسْتَمسكٌ لِهَؤلاء ، ولكنه خَبَرٌ خَرَجَ مَخْرَج التحذيرِ مِن التعرُّضِ لِلظُّلْمِ وَلِمَا يُوصِلُ إِلَى العذابِ الأليم .
ومعناه أنَّ الْمَرْأةَ أساءَتْ إلى هِرَّةٍ وَظَلَمَتْهَا بِحَبْسِهَا ، وزادَتْ في شَرِّها وعدوانها أنها لَمْ تُطْعِمْهَا وتَسْقِهَا ، فاستدلالُهُم باعتبارِ أنها لَوْ أطعمتها وسَقَتْهَا فليس في ذلك شيءٌ ؛ وهذا غَلَطٌ ظاهر ، فالْمَنْهِيُّ عنه هو الظلم حتى لِهَذِهِ المخلوقات الْمُحْتَقَرَة ، وهذا خلاف الصائل فإنه يُقتل سواء القِطَط أو غيرها ولاَ يُعذَّب ، وعندَ أهلِ العِلْمِ قَاعِدَة شَرعية تُبَيِّنُ ذلك وهي : ( مَا آذَى طَبْعاً قُتِل شَرْعاً ) ، وليسَ هَذَا هُوَ مَوضُوعنا .
فَقِصَّةُ الْحَدِيثِ لاَ تصلُحُ إطلاقاً كَدَلِيلٍ يُسوِّغ ظُلْمَ المخلوقاتِ الْحَيَّةِ ، بَلْ قِصَّته أعظم رَادِعٍ وزَاجِرٍ ومُحَذِّرٍ من الظُّلْمِ ؛ وَمِنْ ظُلم المخلوقَاتِ مَا يفعله البعضُ مِنْ حَبسِ الطيورِ في الأقْفَاصِ .
وإذا كانت العِلَّة على رأيِ المسَوِّغين حبسَ الطيوُرِ أنَّ المرأةَ لَمْ تُطْعِم الْهِرَّة ولَمْ تَسْقِهَا ، فهل إذا حُبِسَ إنسانٌ ظُلْماً وأُطْعِمَ وَسُقِيَ يكون ذلك غَير ظُلْمٍ له ؟! ، بل هو ظُلْمٌ ؛ وإنَّمَا مَنْعُهُ الطعام والشَّرَاب زيادةً في الظلمِ والعُدْوَان .
فإنْ قِيل : ( هذا صَحِيحٌ بالنسبةِ للإنسَانِ ، ولكنَّ هذه الطيوُر ونحوها ليسَتْ كَالإنسَان ) ، فيقال : حَبْسُهَا ظُلْمٌ لَهَا لأنها لَمْ تُخْلَقْ ليُضيَّق عَلَيهَا ، ولاَ رَيْبَ أنها تتألم بذلك الحبس ، وغايةُ ما هناكَ أننا لاَ نَفْقَهُ لُغَاتها ، وَلِاشْتِرَاكِ الناسِ في العِلمِ أنَّ حبسَ الطائرِ فِي القَفَصِ عَذابٌ له فَهُمْ يقولون : " المؤمنُ عندَ الذِّكْرِ والموعِظَةِ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ ، والفَاسِقِ كالطائِرِ فِي القَفَصِ " ! .
إن أردت الإستزادة فهناك كتيب صغير
على هذا الرابط
http://www.jawhara1.com/up/uploads/adf504afc4.rar